Osman Naway Post

Osman Naway Post
لكل الكتاب وخاصة الشباب ارحب بنشر مقالاتكم على المدونة فقط راسلونى على الايميل nawayosman@gmail.com

الخميس، مارس 22، 2012

ما لم يقله عادل الباز في مقالته...عن المؤتمر الوطني!! /شوقي إبراهيم عثمان


عادل الباز



شخصي الضعيف من ضمن المحللين السياسيين الذين لا يحبون أن يفسروا الأحداث السياسية المحلية أو الإقليمية على مثال وطريقة "عمرو الحمزاوي" رجل مؤسسة كارنيجي الأمريكية وزبون قناتي  الجزيرة والعربية الدائم ..الذي يطلق عنان خياله في التحليل بأسلوب تبريري وكأنه ينجز عملا أدبيا في تحليل شخوص رواية درامية!! وما قد يبدو تحليلا من فمه لا يخرج من كونه استنتاجات لا تستند إلى وقائع حقيقية وفقط اعتمادا على الظاهر أو على ما قد تبدو تناقضات ظاهرية وتعمده اللجوء إلى بعض التفسيرات النفسية وتحميل الأحداث صبغة ميلودرامية كما تحدث عادة بين "الضرات" في الفعل وردة الفعل أو أبطال رواية ملحمية في مسرحية شكسبيرية يلعب فيها مزاج الأبطال وبعدهم أو اقترابهم من الخير والشر دورا كبيرا..!! هذا الأسلوب "الحكواتي" هو الطاغي في معظم إعلام الدول الغربية، وأيضا في الصحف الخليجية التي يصوغها لهم عادة لبنانيون يجيدون الرطانة باللغة الخشبية – ويندر كأن يتطرقوا مباشرة إلى الأسباب الحقيقية!!


شخصيا أنا أميل إلى التبسيط...مع  التأكيد أن مدخلي إلى تحليل السياسة يعتمد على مفهومات محددة مثل أن السياسة فيها المعلن والمبطن، وأن الدول أو صانعي القرار حربا أم سلما لديهم أولويات من الأهداف هي في غالب الأحوال أهداف مبطنة، في سلسلة من العلاقات المعقدة والمتشابكة منها الرئيسي ومنها الثانوي يحسبون خطواتهم كما لو كانوا على رقعة من الشطرنج الخ

ذكر الأستاذ الاقتصادي عادل الباز قضيته مع الطيب مصطفى -أي قضية الشمال والجنوب- في سبع نقاط..على طريقة عمر الحمزاوي!! ولكننا أيضا نشتم في أسلوبه الأسلوب البريطاني في تعليم اللغة الإنجليزية كما تعلمنا في الثانوية how to write a composition or an article وهو أسلوب منهجي وفيه أن تضع عناصر الإنشاء أو المقالة أولا وتحاكي العناصر في مجموعها الهيكل العظمي أو "شاسيه العربة”...وقد لا يبتعد تحديد هذه العناصر كثيرا من كونه عملا أدبيا وصفيا اعتمادا على الظاهر!! وهذه العناصر الوصفية التي تبدو مستقلة لا يربطها رابط وقد تقوم على الاستنتاج الظني، وهي التالية:

1.     الوفد المفاوض بعد تجربة أديس أبابا السابقة والتي علق فشلها على رقابهم أصبحوا أكثر حرصا ألا يتقدموا خطوة إلا استناداً على..
2.     الجنوبيون وجدوا أنفسهم في ورطة تاريخية،
3.     المجتمع الدولي كله يقف ضد التصعيد..
4.     السيد أمبيكي ولجنته بحاجة لاتفاق يذاع في العالمين حتى تجد مبرراً معقولاً لاستمراريتها ودعماً من قبل الاتحاد الأوروبي الممول..
5.     ليمان المبعوث الأمريكي وإدارة أوباما المضغوطة باللوبي الأسود والصهيوني بحاجة لاتفاق أياً كان مضمونه وكُنهه،
6.     الحكومة بحاجة لهذا الاتفاق إذ أن الحرب لا أفق لها،
7.     المجتمع الدولي ليس في وسعه التعامل مع أي حرب الآن.

ثم عمد الباز أن يملأ الهيكل العظمي باللحم والشحم وكأن يعطيه قواما بأسلوب تبريري يربط بين جميع العناصر وهو -أي الأسلوب التبريري- كما قلنا هو أسلوب عمرو الحمزاوي - وهذا الأخير أيضا ضحية للمؤسسات الأمريكية لغة أو تعليما!! إذن عادل الباز يميل إلى الأسلوب الأكاديمي أي تطبيق ما تعلمه كيف يصيغ الخبر أو التحليل..الذي يعتمد عادة على ظاهر الوقائع..وهذا هو "نموذج الصحفي" كما يفترض ويقدمه البريطانيون كمثال لصحفيي العالم الثالث حين يطرحون السؤال: من هو الصحفي!! ويجاوبون على سؤالهم، حين يشرحون كيف يجب أن يصيغ الصحفي الخبر أو الخبر التحليلي..الخ. إذا فعلت ذلك مثلما أو كما يعلمونك تصبح ووعيك مثل بقعة الزيت على سطح الماء، لن تفهم شيئا، وستضلل قراءك حتما!!

الصحفي الحقيقي هو الذي يتمرد على قوالب اللغة ولا يكتفي بالإعراض الظاهرية..ولا يعتمد على الاستنتاج الظني!! فالسياسة ليست هي الطب، ففي الطب يندر أن تخون الإعراض الظاهرية طبيعة المرض المتسبب، ولكل مرض صورة  عياديةclinical picture تم تحديدها مسبقا؛ وعكس ثوابت الطب فالسياسة لها عدة وجوه ومتغيرات بحكم تغير الرغبات والإرادات الإنسانية المبطنة والمعلنة، الرئيسي منها والثانوي، الإستراتيجي والتكتيكي، والثابت والمتحول الخ. كذلك على الصحفي أو السياسي ألا يسقط تصوراته أو نزعاته الذاتية من ميل أو كراهية على موضوعاته السياسية، لكي يصل إلى تحليل وتفسير موضوعي صحيح.

ولكي لا ننسى محور نقاشنا في مقالنا هذا نذكر إن محور الموضوع يتبع مقالة عادل الباز: لماذا أقدم المؤتمر الوطني على التوقيع على ورقة إطارية؟ أو لماذا فكر المؤتمر الوطني متأخرا جدا كأن يقبل بالحريات الأربعة بدلا من الحرب أو الصدام أو الابتزاز السياسي والاقتصادي؟

ولكي تستفيد من هذه المقالة التي تقرأها يجب أن تسأل السؤال الذي لم يسأله الأستاذ عادل الباز، وهو التالي: كيف يتم اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي في المؤتمر الوطني؟

الإجابة على هذا السؤال مستحيلة. لا أحد يعرف بالضبط من هو الذي يصنع ومن هو الذي يقرر كأن يأخذ قرار سياسي معين حيز التنفيذ!! أضف إلى ذلك "ممنوع" على أي رجل أو امرأة في دولة المؤتمر الوطني أن يصرح أو تصرح للرأي العام بأية نقد صغيرا أو كبيرا لدولاب الدولة..يعرف أو تعرف أن المصير هو الشطب من الوظيفة!! فالتعتيم يلف كل شيء..في دولة المؤتمر الوطني!! كيف حل هذا اللغز؟ ولكي يفهم المرء كيف يتم اتخاذ القرار في دولة المؤتمر الوطني يضطر المراقب أو المحلل كأن يعول على أشياء خارجية..وأن يستخدم الاستنتاج والاستقراء من المعطيات الإقليمية الخارجية!! وهذا أسوأ ما في دولة المؤتمر الوطني!! وعموما، لا نعني ألا يكون لهذه الدولة الافتراضية أسرارا أو ما هو معلن وما هو مبطن، ولكن أن تتشح دولة المؤتمر الوطني بالكامل بسياج من التعتيم، ويصمت رجالها صمت القبور..فهو ليس في صالح هذه الدولة!! هذا الصمت قد يشير إلى أن هنالك شيئا غير طبيعي، أي أن الدولة مخترقة "فيروسيا" والقرار الوطني مسروق، وعليه يسهل في هذه الوضعية على المخترقين تمرير مخططاتهم في صنع القرار وتمريره عبر روافع صغيرة أو كبيرة، خاصة في دولة تعتمد بالكامل على جهاز  "الموبايل" وتتفادى استخدام المراسلات الورقية في أية شيء!! لو تتبعتم اثر الشخص الذي قرر أن يعمل دورة كروية لأهل دارفور، ي لكل قبيلة فريق كروي، ستكتشفون فيه ما لا يسركم!!

ولكي نفهم مقدار صمت هذه الدولة ونقصد قطعا دولة المؤتمر الوطني، يذكرنا حالها بطب الأطفال. على طبيب الأطفال أن يعتمد على الفراسة والملاحظة القوية والتعويل على مؤشرات الأمراض المعياري، فالأطفال عادة ربما وحتى السادسة قد لا يجيدون التعبير عما يصيبهم من علة أو علل!!  

ولنرى كيف وصف مستشار رئيس الجمهورية السابق الدكتور منصور خالد أحد هذه "المؤشرات المعيارية"، فقد وصف رئيسه عمر البشير بالسبورة tabula rasa يكتب عليها الآخرون؛ وتفسيرها..قد يكتب أحدهم في السبورة شيئاً ثم يقوم آخر بمسح ما كتب عليها وكتابة شيئ جديد مختلف عن سابقه. هكذا قال دكتور منصور خالد وكان يتحدث عبر الهاتف إلى القنصل الأميركي في السودان البرتو فرنانديز بحسب برقية كتبها الأخير لوزارة خارجيته بواشنطن الموافق 8 مارس 2008م. وكشف موقع ويكيليكس عن البرقية المعنية وتحمل الرقم (08KHARTOUM332).

وهكذا وضع الدكتور منصور خالد أول طوبة في سياق فهم هذه الدولة!!

طبقا لوصف الدكتور منصور خالد، إذن الكل يهرول للوصول إلى إذن رئيس الجمهورية، والكل يلهث لكي يفوز بعقله وقلبه. إذن هنالك ماراثون صامت، وكل مجموعة أو تيار معين من اللوبيات، أو حتى فرد معين، يحيط نفسه بسياج حديدي من الصمت ولا يصب رغباته وغمغماته إلا في أذن الرئيس!! ويذكرني هذا الأسلوب بإدارة الشركات الخاصة، إذ يثلج قلب المدير أن ينم الموظفون في بعضهم، وبهذا الأسلوب يضمن المدير مراقبة الجميع!! في قلب هذا الصراع يتبارى المتبارون في كيفية ضرب ستار من حديد حول إذن الرئيس، فضرب حلقة محكمة حول أذن الرئيس هي أهم جزء في قانون اللعبة!! فالمقربون جدا إلى أذن الرئيس مثل كمال عبد اللطيف وأسامة عبد الله، وكل من لعب دور مدير مكتب الرئيس الخ لهم قوة مفصلية وليس مستبعدا إنهم يلعبون دور "الفلتر" في أذن الرئيس بحجب المعلومات أو عدم السماح لأشخاص معينين مقابلته..مثل ما حدث لعضو مجلس الثورة السابق صلاح كرار!!

أول الاستنتاجات المهمة من وحي هذه الوضعية السياسية الشائكة والمنفرطة وفي أول تغيير جذري قادم لهذا النظام نصل إلى ضرورة إلغاء صلاحية رئيس الجمهورية المطلقة، أي يجب تقليصها وسحب جزء مقدر من صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى مؤسسات أخرى لضبط ومراجعة الأداء عبر الرقابة المتبادلة، وإلغاء سرقة القرار الوطني عبر أفراد أو مجموعات حول الرئيس الخ!! ثم هل يجوز لفرد واحد، يسمى رئيس الجمهورية، أن يقرر بدلا من الشعب السوداني كله؟

رئيس الجمهورية عمر البشير هو بلا شك منسجم مع نفسه ومع مجموعته الخاصة المقربة التي يميل إليها نسبة إلى المطابقة في التفكير وفي طبيعة القرارات والتوجهات – والطاعة العمياء التي يبذلونها نحوه لإصطياده!! فحين رجع من الصين رأسا إلى جامع النور ومن منبره أعلن مثل أي خليفة للمسلمين في صدر الإسلام الأول إلغاء اتفاقية أديس أبابا للدكتور نافع، كانت هذه الخطوة منه عن قناعة راسخة فيه، أن يحارب في الأقاليم الثلاثة وأن يشطب كل الحركات الدارفورية والحركة الشعبية قطاع الشمال من المعادلة السياسية في السودان معنويا وجسديا عبر التصفية العسكرية.

لماذا اتفاقية أديس أبابا؟ يقول المثل: حين يغيب القط تلعب الفيران!! ما أن غاب عمر البشير في الصين حتى شمر  نائبه في الحزب (نافع..) ونائبه في السلطة التنفيذية (علي عثمان) في أداء دور "عمر البشير" وتفعيل صلاحياتهما كل على حدة تحديا لبعضهما البعض، وبالحساب الجبري اصبح هنالك “عمرين بشيرين” في غياب عمر البشير!! بعكس حضور البشير..حين يصبح هو رئيس مجلس الوزراء ورئيس المؤتمر الوطني..يقبع النائبان في الظل!! رؤية نافع كانت هي الأفضل، بينما رؤية على عثمان المدعومة من لصوص المؤتمر الوطني ومنبر السلام العادل هي الأقبح!!

لقد بنى هذا الفصيل الأقبح "إستراتيجياته وتكتيكاته" المخادعة بصدد الحكم وإقليم الجنوب بشكل مبكر قبل حدوث مجريات الأحداث مدعوما في كل خطواته من عمر البشير ذي التوجهات العنصرية  – وحتما بناها قبل التوقيع على معاهدة نيفاشا بسنوات عديدة طبقا لرأي الإسلامية المستبصرة مزاهر نجم الدين، وهذا ما يجعلنا نعتقد أن في داخل المؤتمر الوطني عملاء مزروعين لتطبيق أول فصول مشروع الشرق الأوسط الكبير!! وبالتأكيد لهذا الفصيل القبيح دور مرسوم سبقيا ولقد تم شراؤه من قبل دول الخليج ربما في الأعوام 1990-1993م لفصل الجنوب بعد أن سلموه شعارات إسلامية زائفة روجها لهم عميل السعودية جعفر شيخ إدريس!! وبالمقارنة أنظروا في هذه الأيام كم تدفع وكيف تشتري دول الخليج الرجال بالأموال لإسقاط النظام السوري بدءا من برهان غليون وانتهاءا بنبيل العربي!! ثمة هنالك خيط باهت يفصل مجموعة علي عثمان محمد طه عن مجموعة منبر السلام العادل ولكنهما في الجوهر شيء واحد، فعلي عثمان أيضا يمسك في يده كرت السلطة التنفيذية وحقق لمنبر السلام العادل الكثير من النقاط لصالح السلفية الخليجية – إذ كلاهما يلعب على أصطياد الحركات السلفية – وللتذكير: تنظيم الأخوان المسلمين جوهريا أيضا حركة سلفية وهابية. عموما، كرت على عثمان الأوحد هو أن يترأس الحركة الإسلامية..مدعوما من لصوص ولوبيات المؤتمر الوطني الاقتصادية وأيضا هؤلاء بدورهم يرفعون شعار الشريعة السلفية وتطبيقها!!

فرؤية نافع واتفاقية أديس أبابا كانت أوسع أفقا وأكثر مرونة من أجل الحفاظ على السلطة وتأمينها. ولكي لا تدخل السلطة في مطبات سياسية واقتصادية من نوع الحشر في عنق الزجاجة – فرض دكتور نافع رؤيته السياسية فور غياب عمر البشير حين آلت سلطات الحزب إلى يده وذهب إلى أثيوبيا وهنالك خط بتوقيعه تلك الاتفاقية!! بينما الفصيل القبيح الموبوء بعملاء دول الخليج، وكلاء الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، كان أكثر ملوكية وسذاجة، يطبق آليات سياسية مرسومة في خارج السودان!! فتعنت عمر البشير تجاه حركات دارفور وتجاه الحركة الشعبية قطاع الشمال رأينا مثله في نموذج تعنت "علي عبد الله صالح"..هذا التعنت يفسر في صالح دفع القوى السياسية والشعبية في الأقاليم إلى طلب الانفصال!! التعنت السياسي يمثل دور الصخرة أو السندان بينما يأخذ دور المطرقة الفقر والجوع والتضييق على الحريات والبطش والطابور الخامس ورشوة الأعيان رؤساء القبائل الخ في الدفع نحو الانفصال!! عموما، الشعب اليمني أثبت أكثر وعيا، رغم إرهاصات ضعيفة في جنوب اليمن تطالب بالانفصال. حركات دارفور المسلحة إلى الآن تعمل في آلية واحدة ولكنها إلى الآن لم تثبت حسن نيتها في قضية الانفصال من  عدمه، فمثلا لا نرى شعارات سياسية مثل إعادة وحدة الجنوب ولو حتى على مستوى كونفيدرالية، ولا نرى مثلا أنها
 هددت بعدم الاعتراف بأية عقودات نفط جديدة قد يوقعها لصوص المؤتمر الوطني الخ.

هذا الفصيل القبيح أوهم عمر البشير أنهم قد يسهلون له أي شيء من دول الخليج على بساط من الريح..أطلب يا طويل العمر ويستجاب لك!! وبالمثل أوهموه أن الجهادية السلفية الحربية على استعداد للقتال في الأقاليم الثلاثة!! وكما توقع نافع دخل عمر البشير في عنق الزجاجة بقدميه، هزائم عسكرية على طول الجبهات والخزينة المالية فارغة، وتملص دول الخليج من دفع أية قروض لدولة المؤتمر الوطني!! وليس هنالك من شك أن عمر البشير لم يتلقى من قطر أو السعودية أية قروض جديدة للسودان رغم تسريب صحفيي المؤتمر الوطني بعض الأخبار في هذا الاتجاه لطمأنة السوق "وتخدير" عملة الدولار في السوق الموازية من الجنوح أو الجنون ألخ. والدليل على ذلك فور روعه من الخليج أرسل وفده لأديس أبابا للتوقيع على الإطارية التي تشمل الحريات الأربعة، مع موعد مرتقب في جوبا للتوقيع النهائي عليها مع سيلفاكير!!

ولعل القارئ الذكي يقول معي قولة الدكتور عبد اللطيف البوني: وطيب لزومه شنو اللفة الطويلة دي!! لماذا تم توقيف اتفاقية الدكتور نافع؟ ولماذا تلك العنتريات في مسجد النور؟ ولم التحدي بمصادرة البترول الجنوبي واعتقال سفن الشحن وأخذ الحقوق عينيا؟ ثم لماذا فتح ثلاث جبهات حربية ضد الشعب السوداني؟ لقد بنوا للبشير تصورات مخادعة إنهم وفي مقدورهم أن يتحصلوا على ثلاثة ثلاثين دولارا واكثر للبرميل مقابل مرور بترول الجنوب في الأنابيب!! وهذا لم يحدث مطلقا!! لذا كانت الحاجة إلى دول الخليج ملحة بل تغني حياة أو موت ومع ذلك لم يحصل البشير علي أي قرض منهم!! من المرجح أن البشير في رحلته لقطر وللسعودية استيقظ من حقنة التخدير التي خدره بها وكلاء وعملاء الخليج في داخل الفصيل القبيح..فأنقلب على "مقرراتهم” وزالت من عينه الغشاوة disillusioned، وهذا ما دفعه للتصالح مع الجنوب مضطرا!!

وفي الوقت الذي يبخلون عليه بقروض، يعلم عمر البشير تماما ضخامة تلك المليارات من الأموال التي صرفتها دول الخليج على مقاتلي القاعدة السلفيين الذين أطلق عليهم مسمى "الجيش الحر" للتضليل، وهم تلك الشرذمة من السروريين ومقاتلي شمال أفريقيا التكفيريين، إضافة إلى مرتزقة من خمسة جنسيات أخرى يقاتلون بدافع المال وحب القتل وسفك الدماء، وقد أرتكزت جميعها في لبنان والأردن وتركيا. وقد لاحظ عمر البشير إنه خسر ليس دولة سوريا العظيمة وشعبها العظيم فحسب، وفقد ماء وجهه ليس في عالم الممانعة كما روج ولو ظاهريا إنه منهم فحسب، بل الأنكى إنه فقد أيضا مصداقيته وتعرى أمام شعبه السوداني إنه يكيل بمكيالين!! فهو لن يستطيع الرقص مرة أخرى على جثة أمريكا!!فدول الخليج خاصة السعودية وقطر لم تعد تستحي أن تتعاون مع إسرائيل مباشرة وبشكل علني!! فأية عروبة وأي إسلام إذن يمكن للبشير أو لخاله الطيب مصطفى الدفاع عنهما في وجه الشعب السوداني؟ وكيف يمكن أن يبرر وكيل السعودية وعميلها في السودان الطيب مصطفى أن تعاون أولياء نعمته من آل سعود وآل الثاني أصبح بالمفتوح وعلنيا مع الكيان الصهيوني؟ وكيف يمكن أن يقنع الطيب مصطفى ابن أخته البشير بأهمية "التفاهم" والتعاون مع إسرائيل بعد أن تبنى "علي كرتي" بموافقة الرئيس سياسة "التفاهم" مع الغرب؟

أحد الخبثاء وسوس في أذن الرئيس عمر البشير، أن اتفاقية الحريات الأربعة قد تجلب دولارات الجنوب إلى بنوك الخرطوم!! وكما يطبل الطيب مصطفى ليلا ونهارا أن الجنوبيين فاسدون، إذن لعلهم يهربون إلى الشمال بدولاراتهم ويضعونها في بنوك السودان الشمالي!! دعهم يحفرون الآبار، يتعبون ويشقون ويسوقون زيتهم ونحن نحصد دولاراتهم!! ربما هذه الفكرة هي من قبل صابر محمد حسن، ونقول ربما. فهذا التحول نحو الجنوب أمره عجيب، فجأة ينسخ رزمة ضخمة من التقولات السيئة والمسيئة نحو السودانيين الجنوبيين، بدءا من العمالة وكونهم عملاء، ومرورا لن نعطيهم حقنة، وانتهاءا بالبارات والمريسة الخ لا نجد تفسيرا لهذا التحول سوى هذا التفسير أي الطمع في نشل دولاراتهم!! وبما أن البشير خرج على "مقررات" الفصيل العميل القبيح لذا فتحوا نيرانهم ليس على رئيسهم عمر البشير، بل على الوفد إياه الذي فيه إدريس عبد القادر..وبالتحديد رجموا إدريس عبد القادر!!

ولو!! هكذا يقول الفلسطينيون الظرفاء حين يستعجبون من أمر ما.!! ينشلون دولارات السودانيين الجنوبيين..ولو!!     حتى ولو ضمن المؤتمر الوطني على المدى المتاح له للبقاء في السلطة أن يملأ حصالته بالعملة الصعبة الجنوبية، فهذه الاتفاقية لن يرفضها كافة السودانيين..سيرفضها فقط عملاء دول الخليج!! وربما تتحول العلاقة بعد جيل أو جيلين إلى كونفيدرالية، ثم لاحقا إلى وحدة كاملة مثلما فعل الألمان، واليمنيين الخ وربما هو من المؤكد وقتها أن يأتي حفيد للدكتور عبد اللطيف البوني ويقول مثل جده: طيب لزوموا شنو اللفة الطويلة دددي!!


شوقي إبراهيم عثمان
(كاتب) و (محلل سياسي)
shawgio@hotmail.com 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق