منذ أن إندلعت الأزمة السودانية في دارفور، وقبلها قضية الجنوب، ولعل قضية جنوب السودان، الذي أصبح، دولة مستقلة، العام الفائت، قد وجدت قدراً، من التأييد والمؤازرة، في صفوف المثقفين، في الشمال على رأسهم، د. منصور خالد وياسر عرمان، وعدد آخر، لا بأس به، إذا ما قيس بحجم المساندة والتأييد اللذين حظيت بهما قضية دارفور، ولكن برغم قلة العدد تجاه قضية دارفور، إلا إننا، لا نستطيع أن نقول: أن النسبة كانت صفرية، كما هو الحال، تجاه المجآزر التي يرتكبها النظام بحق أهلنا النوبة، في وقت تتسابق فيه المنظمات الإنسانية الدولية والأفراد من صحفيين وحقوقيين وممثلين وخلافهم، لزيارة المناطق التي تتعرض للحرب، للإطلاع على حجم الخراب والدمار، والقتل العشوائي، للمدنيين من النساء والشيوخ والأطفال وغيرهم، والذي لم يسلم منه، حتى الحيون والجماد، حرب ترقى لمستوى جرائم الإبادة الجماعية، بحق أهلنا في جبال النوبة، عقابا لهم لمطالبتهم بحقوقهم المشروعة.
صحيح قد تبرز بعض الأصوات، هنا، وهناك، سعياً للتبرير، كأن تقول: أن الحرب الدائرة الآن، تتحمل نتائجها الحركة الشعبية، لأنها هي التي أشعلت شرارتها بعد أن قلب النظام لها ظهر المجن، حول نسب المشاركة في السلطة والثروة، وغيرها من الملفات والقضايا التي كانت عالقة، حتى لحظة إنفصال الجنوب، وبذات القدر قد تظهر أصوات أخرى تقول بغير هذا الرأي وتحمل المؤتمر الوطني كل المسؤولية، لانه كان بإستطاعته إن أراد، ان يقدم تنازلات، تحرك الحركة، إن لم نقل تنقلها كلياً، من خانة الند والخصم، الى خانة الزمالة والصداقة تغليباً للحكمة والمصلحة الوطنية، وهذا أمر وارد ومفهوم، وكان منتظراً، إذا ما أخذنا في الإعتبار التعقيدات الواردة في نصوص برتوكول جنوب كردفان، المسمى بالمشورة الشعبية، والتفسيرات المتباينة حياله بين الحركة الشعبية قطاع الشمال، والنظام.
لكن والحرب قد إندلعت، فلا موضوعية بعد ذلك، للسؤال من هو البادئي..؟ بل السؤال المهم، هو كيف نوقف الحرب، وهنا يأتي دور المثقفين، في ضوء عجز القابضين عنوة بتلابيب السياسة، عن فهم الواقع السياسي، والإجابة على أسئلته التي هي في تنام مستمر، وبوتيرة خطيرة، وإذا ما تركت بلا إستجابة موضوعية، حتماً ستقود، لتضخم الشعور بالغبن، لدى الشرائح المنحدرة، من تلك المناطق، نحو التطرف، بخاصة وسط الشباب، نتيجة إحساسهم بالتجاهل وعدم الإهتمام، سواء من القوى السياسية، أوالمثقفين مما يحول حالة الغبن، إلى قنبلة مؤوقوته.
لذلك يأتي السؤال، لماذا كان موقف المثقفين، أقل من المستوى المنتظر، حيال هذه القضية الخطيرة..؟ الأمر الذي يمكن أن يفسره البعض، بأنه يستبطن موافقة ضمنية، أو في أحسن الأحوال، الحياد..! ولا أعتقد أن الحياد، سيكون خياراً مقبولاً، من شريحة، ينتظر منها أن تضطلع بدور وطني كبير، بحكم وعيها وإدراكها، للأسباب الحقيقية لهذه الأزمة، وغيرها من الأزمات، التي عرفها السودان، طوال تاريخه السياسي المعاصر، سواء في دارفور أو النيل الأزرق أو جنوب كردفان، أو في شرق السودان، أو في أقصى الشمال، أو حتى في داخل الخرطوم، في الأحياء الفقيرة، التي تسكنها الطبقات المعوزة التي إتسعت دائرتها، بسبب الظلم والإقصاء السياسي والإقتصادي، نتيجة هيمنة الأنظمة الشمولية وخصائصها التي تتسم، بإستبعادها للسواد الأعظم من الشعب السوداني، وإعتمادها على الأجهزة الأمنية والتنظيمات السياسية الهلامية، القائمة على المنفعة والمصلحة، لملاحقة الأصوات الوطنية التي تطالب بالحرية والديمقراطية، كقاعدة لبناء الدولة المدنية الحديثة، التي تحقق العدالة والإستقرار وتحترم حقوق الإنسان، وتشجع ملكات التفكير والإبداع والإختراع.
إذن مطالبة المثقفين بالخروج من خانة الحياد، إلى خانة الإنحياز إلى جانب ضحايا نظام الإنقاذ الشمولي، في جنوب كردفان، هو ليس منة من المثقفين والسياسيين والنشطاء في منظمات المجتمع المدني، وإنما هو موقف أخلاقي ووطني، تحتمه المصلحة الوطنية العامة، لأن المعركة الدائرة الآن في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقبلهما في دارفور، وتلتهما إعتصامات المناصير، ومظاهرات كسلا، وبابنوسة، والمجلد، وغيرها من مدن السودان الأخرى، تلقي على المثقفين الوطنيين مسؤولية كبيرة، لأن المعركة ليست معركة طرف، من الأطراف ضد النظام، وإنما هي معركة الجميع، ولا مكان فيها للصمت، أو الحياد، هذه القضية، هي نداء وطني لكل الوطنيين، لتحويلها الى موضوع وفاق شامل، ونقطة إنطلاق مفصلية، وقطيعة مع الماضي وسلبياته، لبناء صف وطني يستنفر كل قطاعات وطاقات الشعب، للخلاص من الطغمة الحاكمة، كرهان حقيقي، قبل أن تنفجر القنبلة المؤوقوتة، وتقضي على الأخضر واليابس..!
الطيب الزين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق