كما يقولون: أن الجمرة تحرق الواطيها، فلعل هذا القول قد وجد صدقيته، في مواقف وتصرفات بعض قوى المعارضة، في ظل إستمرار أزمة الحكم، ممثلة في بقاء نظام الإنقاذ، قابضاً على الأنفاس والأفكار والتحركات، والقرار، والمصالح. وفي مقابل هذا الواقع المعروف، والمرفوض حتماً من قبل السواد الأعظم من الشعب السوداني، بعد أن ثبت له، خواء الشعارات التي أطلقها عند بدايات مجيئه، على ظهر دبابة داست على أعصاب وشرايين الشعب، لكنها لم تعطيه شرعية برغم سيطرته على مقاليد الحكم لمدة تجاوزت العشرين عاماً حتى الآن..!
وفي المقابل تحركت القوى السياسية، بهدف مناهضة ومنازلة النظام، في ميادين النضال، لكن هذا المسلك كان أقرب للإدعاء والدعاية، منه الى الموقف الحقيقي والإلتزام الوطني الصادق تجاه قضايا الشعب، ولعل هذا الأمر، قد كشفت عنه السنوات، التي إدعُوا، قيادتهم للمعارضة فيها ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتوقع، أن يقود النضال الثوري، أشخاص بلا ثقافة ثورية، أو الحفاظ على الديمقراطية، بمؤسسات غير ديمقراطية..!
ولعل هذه الأسباب، هي القشة التي قسمت ظهر، بعير حكومة الديمقراطية الأخيرة، ولعلنا لا نظلم أحداً إن قلنا، أن قيادات بهذه المواصفات، حتماً هي ليست جديرة، بقيادة حملة داخل مؤسساتها، تفضي الى التحديث والتجديد، بهدف رفد مؤسساتها السياسية، بقيادات شبابية، لا تركن الى الأقوال أكثر من الافعال، كما يفعل بعض الرموز المحسوبة على قوى المعارضة، التي ضنت بالتضحية والنضال الحقيقي من أجل شعبها ومبادئها، ناهيك عن قيادتها نضال، يرجى منه إسقاط نظام، مثل نظام الإنقاذ، قابض، حتى على أنفاس الناس..!
وفي سياق وصفنا وتشخيصنا لهذه الأسباب، لا يفوت علينا طبيعة النظام، القائمة على ثقافة، اُكل وأكل، أي بمعنى أفسِد، وأُفسد غيرك، بغرض حرفه عن مساره وخطه، سواء كان المستهدف هذا، فرداً أو مجموعة ممثلة في قبيلة، أو طائفة، أو حزب، أو حركة حاملة للسلاح، هذه العقلية المجرمة، قد عرفت كيف توظف نقاط ضعف القيادات السياسية الشائخة، ولعلها قد نجحت الى حد كبير، إذا نظرنا الى المشهد السياسي الذي هو خير شاهد، على كم الأحزاب والحركات التي باعت رآياتها ومبادئها، من أجل غاياتها..!
إذن من خلال هذا التشخيص، نصل الى نتيجة مفادها، أن بعض النخب، التي أدعت قيادة الشعب، هي قيادات مهزومة في داخلها، وبالتالي من الخطأ الإعتقاد، أنه من السهل معالجة هذه العلة، ومن ثم تجاوز حالة الوهن المتفاوتة الدرجات طبعاً، في صفوف المحسوبين على قوى المعارضة، فالحال في مجمله غير مبشر، وبالتالي ليس من الحكمة في شيء، الإنقياد وراء مثل هذه القيادات، أو الركون إليها، أكثر مما مضى، لأنه، حتى لو سقط النظام الحاكم، وهذا أمر مستبعد، إن إعتمدنا على هذه القيادات التي ظلت تتصدر المشهد السياسي، لفترة ليست بالقصيرة، ثبت للقاصي والداني، إنها عاجزة، منطلقاً وفكراً.. لذا على النخب الجديدة، والأغلبية من الشعب المكتوية بجمرالمعأناة، وصاحبة المصلحة الحقيقية، في التغيير، أن تشق طريقها، دون الدخول في تجاذبات مع هذا الطرف، أو ذاك، حتى لا ينحرف نضالها عن مساره الصحيح، مستفيدة من تجارب شعوب دول الجوار القريب، التي تحررت، من مخزون الخوف. كما أن تجارب الحكم التي عرفها السودان، خلال نصف قرن، من نظم شمولية عاجزة، وحكومات حزبية فاشلة، أثبتت الأحداث إنهما وجهان، لعملة واحدة، أسمها الفشل..!
الطيب الزين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق